كلمة الرئيس ميقاتي في الجلسة النيابية لمناقشة موضوع النازحين السوريين
الأربعاء، ١٥ أيار، ٢٠٢٤
دولة الرئيس
سعادة النواب
بداية أتوجه بالشكر لدولتكم على الإستجابة لطلبي بعقد هذه الجلسة لنتحدث بشكل واضح ومباشر عن ملف من أكثر الملفات التي تشغل اللبنانيين حاضراً ومستقبلاً. وكنت قد قلت مراراً إن موضوع النزوح السوري الى لبنان هو من المواضيع التي يجمع اللبنانيون عليها برؤية واحدة في سبيل إنقاذ ديموغرافية لبنان والحفاظ على كيانه. ولكن للأسف لم يدم رهاني طويلاً، إذ بدأنا نخاصم بعضنا البعض، مغلّبين الشعبوية والمزايدات على المصلحة الوطنية، فحوّل البعض الفرصة الى مشكلة والنعمة الى نقمة.
البعض عارض الحكومة، وهذا حق ديموقراطي طبعاً، لكنه عارض قبل أن يفهم، وحكم بالأمر قبل أن يعلم. وهذا النهج اعتبر أنه يشكل ضرراً كبيراً على الوطن ويعرقل السير قدماً بحل هذه المعضلة.
وفي هذا السياق، لا بد لي من أن أثمّن عالياً الموقف الإيجابي للبعض بالتعاطي مع ما حدث وذلك بالإستيضاح مباشرة أو عبر رسائل خطية ولهم منا كل تقدير.
إنني أؤمن بأن قوة لبنان الحقيقية في وحدة أبنائه، فهذا الوطن لنا جميعاً، وكفى مزايدات على بعضنا البعض. لبنان وطن سيد حر مستقل، وطن نهائي لجميع أبنائه، واحد أرضاً وشعباً ومؤسسات في حدوده المنصوص عنها في الدستور والمعترف بها دولياً. لبنان دولة مستقلة ذات وحدة لا تتجزأ وسيادة تامة..فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان، ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين، كما جاء في مقدمة الدستور.
دولة الرئيس
إن حل مسألة النزوح السوري يكون بتوافق كامل بين اللبنانيين، ولذلك سأبدأ بشرح الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة.
إن المساعدة الاوروبية التي أعلنت عنها رئيسة المفوضية الأوروبية في حضور الرئيس القبرصي ليست سوى تأكيد للمساعدات الدورية التي تقدمها المفوضية الأوروبية للبنان منذ سنوات. وهذا الدعم الأوروبي هو للخدمات الأساسية التي تقدمها المفوضية الى المؤسسات الحكومية في مجالات الحماية الإجتماعية والتعليم والمياه والصحة، وعلى سبيل المثال من خلال إنشاء مراكز التنمية الإجتماعية والمدارس العامة ومؤسسات المياه وما شابه ذلك.
لقد وعدت رئيسة المفوضية الاوروبية بأن هذه المساعدات سيعاد تقييمها كل ستة أشهر في ضوء حاجة لبنان، كما وعدت بزيادة هذا المبلغ أضعافاً وباستثمارات أوروبية في لبنان فور إقرار القوانين الإصلاحية المطلوبة.
دولة الرئيس
أريد أن أؤكد أن هذه المساعدات غير مشروطة بأي شروط مسبقة أو لاحقة، ولم يتم توقيع أي اتفاق مع الإتحاد الأوروبي بشأنها، بل هي استمرار للمساعدات السابقة.
لا بل أقول بصراحة نحن أصرّينا أن تكون المساعدة المقدمة للنازحين السوريين هي لتشجيعهم على العودة الى بلادهم وليس للبقاء في لبنان، مؤكدين أن القسم الأكبر من سوريا قد بات آمناً للعودة. كما حذرنا من أن استمرار هذه الأزمة في لبنان سيكون ككرة النار التي لن تنحصر تداعياتها على لبنان بل ستمتد الى أوروبا لتتحوّل الى أزمة إقليمية ودولية. وقد أبلغنا هذا الموقف الى جميع المعنيين خلال لقاءاتنا ولا سيما الى الرئيس القبرصي ورئيسة المفوضية الأوروبية خلال زيارتهما للبنان، مشددين على أنه لا يمكن اعتبار لبنان شرطياً حدودياً لأي دولة، وأن المطلوب تعاون كل الدول لحل هذه المعضلة.
لن أتوقف عند كل ما قيل لأن الوقت ليس للتساجل والهم الأساس هو حل هذا الموضوع بتوافق كامل بين اللبنانيين. ولهذا سابدأ بشرح الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة.
أولاً: الطلب من الجهات الأمنية المختصة التشدد في تطبيق القانون على كل الأراضي اللبنانية لجهة ترحيل كل مَن يقيم بشكل غير شرعي الى بلده، على أن يصار الى التنسيق مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عند الاقتضاء، آخذين بعين الإعتبار مذكرة التفاهم الموقعة في 9-9-2003، بين المديرية العامة للأمن العام والمفوضية، والتي أشارت الى أنه لا يمكن اعتبار السوريين في لبنان لاجئين. وهنا أؤكد أنه من الضروري تعاون الجميع لتنفيذ ذلك وعدم إغراق الأجهزة الأمنية والحكومية بالوساطات لإبقاء المقيمين بطريقة غير شرعية على الأراضي اللبنانية.
ثانياً: بالنسبة الى أمن الحدود فإن الجيش يقوم بواجبه كاملاً ضمن الإمكانات المتاحة حيث ينشر أربعة أفواج على طول الحدود اللبنانية- السورية، بخط حدودي يبلغ حوالى 387 كلم بعدد عناصر 4838 عنصرا يتوزعون على 108 مراكز من بينها 38 برج مراقبة مجهزين بكاميرات وأجهزة استشعار ليلية. ولكن في الواقع العسكري وعلى طول الخط، يلزم خمسة أضعاف القوى المنتشرة حالياً وذلك لضبط الحدود بالحدود الدنيا، ناهيك عن الحاجة البشرية واللوجستية لتعزيز الحدود البحرية والمراقبة عليها وضبطها. لهذا السبب نتابع الإتصالات الدولية من أجل تعزيز قدرات الجيش على الصعد كافة بما فيها التجهيزات اللوجستية اللازمة للمراقبة وتكثيف أبراج المراقبة الحدودية.
رغم ذلك، وفي ضوء المتوافر من إمكانات، يقوم الجيش بالتعاون الوثيق مع مختلف الأجهزة الأمنية بتعزيز نقاط التفتيش الحدودية وتنفيذ عمليات رصد وتفتيش كاملة ومنسقة تستهدف مواقع التسلل والتهريب وإحالة المعنيين على القضاء المختص. كما تقوم الأجهزة الأمنية بإغلاق نقاط العبور غير الشرعية ومصادرة الأموال المستخدمة من قبل المهرّبين حسب الأصول. كذلك يتم تكثيف الجهد الإستعلامي والأمني لضبط الحدود البرية والبحرية.
ثالثاً: أصدرت وزارة الداخلية والبلديات سلسلة من التعاميم تقضي بإجراء مسح شامل للسوريين القاطنين في النطاق البلدي وإعداد بيانات عنهم. وأيضاً توجب التعاميم الإفادة الفورية عن أي تحركات أو تجمعات مشبوهة تتعلق بالنازحين السوريين، والتشدد في قمع المخالفات المتعلقة بالمحال التي يتم استثمارها ضمن النطاق البلدي من قبل السوريين من دون حيازة التراخيص اللازمة، والعمل على إقفالها فوراً وإحالة المخالفين على القضاء.
رابعاً: في ما يتعلق بسوق العمل، يتم من قبل وزارة العمل التشدد في اتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة بحق المؤسسات والشركات العاملة على الأراضي اللبنانية والمخالفة لقانون العمل والأنظمة المرعية الإجراء لا سيما في الجانب المتعلق بالعمالة اللبنانية.
كما يتم العمل على وقف كل محاولات الإلتفاف على النصوص القانونية بهدف تشريع العمالة الأجنبية، لا سيما من خلال إنشاء شركات تجارية وهمية وتحديداً شركات توصية بسيطة.
خامساً: الطلب من النيابات العامة التشدد في الإجراءات القانونية المتعلقة بالضالعين في تهريب الأشخاص والداخلين الى لبنان بطرق غير مشروعة وملاحقتهم بجرم الإتجار بالبشر. كذلك الطلب من وزارة العدل بحث إمكانية تسليم المحكومين والمسجونين والموقوفين وفقاً لما تجيزه القوانين والأنظمة المرعية الإجراء.
سادسا: تكثيف الجهد الديبلوماسي لشرح خطورة موضوع النزوح السوري على لبنان وعلى الأمن الإقليمي والأوروبي وتأكيد ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين الظروف المعيشية للشعب السوري ليبقى في أرضه وتشجيع النازحين على العودة. ما ورد آنفاً هو جزء من القرارات التي اتخذتها "اللجنة الوزارية المختصة بمتابعة إعادة النازحين السوريين الى بلدهم بأمان وكرامة" والتي كان شكّلها مجلس الوزراء بتاريخ 29-9-2021 برئاسة رئيس الحكومة وتضم وزراء الخارجية والمغتربين، والداخلية والبلديات، والدفاع الوطني، والشؤون الإجتماعية والعدل والمهجرين والعمل. وأنيطت بهذه اللجنة مهمة اتخاذ القرارات المناسبة ورفعها الى مجلس الوزراء على أن تناقش كبند أساسي في كل جلسة.
دولة الرئيس
لقد ثارت ثائرة البعض عندما تحدثنا عن قرار الهجرة الموسمية الخاص بدول الجوار الذي اتخذه الإتحاد الأوروبي وضم إليه لبنان على غرار تركيا، والأردن ومصر وتونس والمغرب، وذهب البعض في مخيلته الى حد القول إننا نريد تهجير فئة من اللبنانيين لتوطين السوريين مكانهم.
إن هذه المزاعم باطلة بطلاناً مطلقاً، ولا علاقة للمشروع بالنزوح السوري بل بدأ تطبيقه منذ فترة طويلة، وكل ما في الأمر أن الموضوع عُرِض علينا من منطلق اقتصادي بحت لفتح الباب أمام من يرغب لإيجاد فرص عمل موسمية في الخارج يعلن عنها من الدول الأوروبية في حينه، وبالتالي تكون هذه الهجرة شرعية لمن تنطبق عليه الشروط المحددة ولفترة محددة حصراً. وهناك باستمرار، ومنذ سنوات، خبرات في مجال الطب تغادر لبنان في مهمات محددة ولفترة محددة في أوروبا ضمن هذا المشروع الأوروبي.
أما إذا ارتأى المجلس النيابي الكريم إصدار أي توصية أو قانون يمنع هذا الأمر فله الحق في ذلك، فاتخذوا القرار الذي ترونه مناسباً للمصلحة الوطنية.
دولة الرئيس
إن الحكومة التي أتكلم باسمها حسب الدستور، لم تتأخر يوماً عن اتخاذ القرارات المناسبة في هذا الملف، وإن الجيش وسائر الأجهزة الأمنية يقومون بواجباتهم ويجهدون مشكورين لمنع قوافل النزوح غير المبرر، والذي يهدد استقلاليتنا الكيانية ويفرض خللاً حاداً يضرب، بقصد أو بغير قصد، تركيبة الواقع اللبناني.
المطلوب اليوم هو اتخاذ موقف وطني جامع وموّحد بشأن كيفية مقاربة هذا الملف بعيداً عن المزايدات والإنفعالات والإتهامات، لكي يكون ذلك بداية للتصدي للمشكلات الأساسية التي تواجه البلاد وفي مقدمها الشغور الرئاسي والإصلاحات الإقتصادية، وما يحصل في جنوبنا ومعاناة شعبنا هناك. ونحن مستعدون للتعاون مع مجلسكم الكريم في كل ما ترونه مناسباً. والسلام عليكم.